سورة يوسف - تفسير تفسير المنتخب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)}
49- ثم يأتى بعد هذه السنين المجدبة عام يغاث فيه الناس بالمطر، ويعصرون فيه العنب والزيتون وكل ما يعصر.
50- تنبه الملك إلى يوسف بسبب تعبيره لرؤياه، وعزم على استدعائه فأمر أعوانه أن يحضروه، فلما أتاه من يبلغه رغبة الملك لم يستخِفَّه الخبر، رغم ما يحمل من بشرى الفرج ولم تزعزع حلمه لهفة السجين على الخلاص من ضيق السجن ووحشته، وآثر التمهل حتى تظهر براءته، على التعجل بالخروج وآثار التهمة عالقة بأردافه، فقال للرسول: عُدْ إلى سيدك واطلب منه أن يعود إلى تحقيق تهمتى، فيسأل النسوة اللواتى جمعتهن امرأة العزيز كيداً لى، فغلبهن الدهش وقطعن أيديهن: هل خرجن من التجربة معتقدات براءتى وطهرى، أو دنسى وعهرى؟ إني أطلب ذلك كشفاً للحقيقة في عيون الناس، أما ربى فإنه راسخ العلم باحتيالهن.
51- فاستحضر الملك النسوة وسألهن: ماذا كان حالكن حين حاولتن خداع يوسف ليغفل عن عصمته وطهارة نفسه؟ هل وجدتن منه ميلا إليكن؟ فأجبنه: تنزه الله عن أن يكون نسى عبده حتى تلوث طهره، فما لمسنا فيه شيئاً يشين. وحينئذٍ قويت نزعة الخير في نفس امرأة العزيز، فاندفعت تقول: الآن وضح الحق وظهر. أنا التي خاتَلْته وحاولت فتنته عن نفسه بالإغراء فاستمسك بعصمته، وأؤكد أنه من أهل الصدق والحق حين رد التهمة علىّ ونسبها إلىّ.
52- هذا اعتراف منى بالحق أُقَدِّمه، ليستيقن يوسف أنى لم أستغل غيبته في السجن، وأتمادى في الخيانة، وأعول على تثبيت اتهامه، ولأن الله لا ينجح تدبير الخائنين.
53- وما أدَّعى عَصمةَ نفسى من الزلل، فإن النفس تميل بطبعها إلى الشهوات وتزيين السوء والشر، إلا نفس من حفظه الله وصرفه عن السوء. وإنى لأطمع في رحمة الله وغفرانه، لأنه واسع الغفران لذنوب التائبين، قريب لا ينجح تدبير الخائنين.


{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)}
54- فلما ظهرت براءة يوسف عند الملك، صمم على استدعائه، وكلف رجاله أن يحضروه ليجعله من خاصته وخلصائه، فلما حضر إليه وجرى بينهما الحديث، تجلى له من يوسف ما تجلى من طهارة النفس وثقوب الرأى فقال له: إن لك في نفسى لمقاماً كريماً ثابتاً وأنت الأمين الموثوق به.
55- وعلم الملك منه حسن التدبير وكفاءته لما يقوم به، وأحسَّ يوسف بذلك، وحينئذ طلب منه أن يستوزره قائلا له: وَلّنى على خزائن ملكك ومستودعات غلات أرضك، لأنى كما تأكد لديك ضابط لأمور المملكة، حافظ لها، خبير بالتدبير وتصريف الأمور.
56- وقبل الملك عرضه، فاستوزره، وبذلك أنعم الله على يوسف نعمة جليلة، فجعل له سلطاناً وقدرة في أرض مصر، ينزل منها بأى مكان يريد. وهذا شأن الله في عباده، يهب نعمته لمن يختاره منهم، ولا يهدر ثوابهم وإنما يؤتيهم أجورهم على الإحسان بالإحسان في الدنيا.
57- وأن ثوابه في الآخرة لأفضل وأوفى لمن صدقوا به وبرسله، وكانوا يراقبونه ويخافون يوم الحساب.
58- واشتد القحط بما حول مصر، ونزل بآل يعقوب ما نزل بغيرهم من الشدة، وقصد الناس مصر من كل مكان، بعد ما علموا من تدبير يوسف للمؤن، واستعداده لسنوات الجدب. فبعث يعقوب إليها أبناءه طلباً للطعام، واحتجز معه ابنه شقيق يوسف خوفاً عليه، فلما بلغ أبناؤه مصر توجهوا من فورهم إلى يوسف، فعرفهم دون أن يعرفوه.


{وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)}
59- وأمر يوسف أن يُكرَّموا في ضيافته، ويُدفع لهم من الميرة ما طلبوه فتم لهم ذلك، وأخذ يُحدثهم، ويسأل عن أحوالهم سؤال الجاهل بها، وهو بها عليم، فأخبروه أنهم تركوا أخا لهم حرص أبوهم ألا يفارقه، وهو بنيامين شقيق يوسف، فقال: ليحضر معكم أخوكم، ولا تخافوا شيئاً، فقد رأيتم إيفاء كيلكم وإكرامى لكم في نزولكم.
60- فإن لم تحضروا أخاكم هذا، فليس عندى لكم طعام، ولا تحاولوا أن تأتونى مرة أخرى.
61- قال إخواته: سنحتال على أبيه لينزل عن إرادته ولا يخاف عليه، ونؤكد لك أننا لن نقصر في ذلك أو نتوانى فيه.
62- ولما هموا بالرحيل، قال لأتباعه: ضعوا ما قدَّموه من ثمن بضاعتهم في أمتعتهم، عساهم يرونها إذا عادوا إلى أهلهم، فيكون ذلك أرجى لعودتهم مؤملين في إعطائهم الطعام، واثقين بالوفاء بالعهد، وآمنين على أخيهم وليبعثوا الطمأنينة في نفس أبيهم.
63- فلما عادوا إلى أبيهم قصوا عليه قصتهم مع عزيز مصر، وتلطفه بهم، وأنه أنذرهم بمنع الكيل لهم في المستقبل إن لم يكن معهم بنيامين، وواعدهم بوفاء الكيل لهم، وإكرام منزلتهم إن عادوا إليه بأخيهم، وقالوا له: ابعث معنا أخانا فإنك إن بعثته اكْتلنا ما نحتاج إليه من الطعام وافياً، ونعدك وعداً مؤكداً أنا سنبذل الجهد في المحافظة عليه.
64- وثارت في نفس يعقوب ذكريات الماضى، فربطها بالحاضر، وقال لبنيه: إن أمرى إذا استجبت لكم لعجيب فلن تكون حالى حين آمنكم على أخيكم إلا مثل حالى حين ائتمنتكم على يوسف فأخذتموه، ثم عدتم تقولون: أكله الذئب، فالله حسبى في حماية ابنى، ولا أعتمد إلا عليه، فهو أقوى حافظ، ورحمته أوسع من أن يفجعنى بعد يوسف في أخيه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8